بعد انتهاء الحملة العسكرية الكبيرة التي شنتها روسيا وإيران وعصابات الأسد على الشمال السوري المحرر وبالتحديد شمال غرب سوريا في إدلب وريف حلب الغربي وريف اللاذقية الشمالي وريف حماة الشمالي الغربي وتحقيق نسبة من أهدافها وفشل أهداف أخرى عام 2020، ترسمت حدود السيطرة في سوريا بشكل جزئي مؤقت ما بين مناطق الثورة السورية ومناطق ميليشيا قسد ومناطق عصابات الأسد، وعلى الخريطة لعصابة الأسد المساحة الجغرافية الأكبر من السيطرة بنسبة 63٪ تقريباً من سوريا، لكن هل هذه السيطرة حقيقية بالفعل بإدارة منظمة وفرض سيطرة كاملة؟، هذا ما سيتناوله التقرير الحالي.
من أقصى الجنوب السوري ومن محافظة درعا تحديداً، المحافظة التي سيطرت عليها ميليشيات الأسد عام 2018 ويفترض أنها تخضع لسيطرتها بشكل كامل، ما تزال حواجز وعناصر ودوريات عصابات الأسد محط استهداف متكرر فلا يكاد يمر يوم أو يومان إلا والاغتيالات تستهدف العصابة، وتنشط في المحافظة (مدينة وريفاً) عمليات الاستهداف النوعية التي تقوض تحركات ميليشيات الأسد وأذنابها، بالإضافة لبقاء عشرات القرى والبلدات حتى يومنا هذا خارج سيطرة نظام الأسد باستثناء عمليات دهم واقتحام مؤقتة قد يرافقها اشتباكات متبادلة مع ثوار المنطقة ممن ابقى على سلاحه الشخصي بحوزته، في مشهد يشبهه ناشطون بحملات الاقتحام التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية.
وإلى جارة درعا.. السويداء المنتفضة منذ عدة أشهر بوجه عصابة الأسد، حيث يشهد مركز المدينة في ساحة الكرامة مظاهرات مركزية مستمرة تطالب بإسقاط نظام الأسد وتفكيك مؤسساته الفاسدة والانتقال لحل سياسي يضمن كرامة السوري الممتهنة من قبل النظام الحالي، وفي الريف تشهد القرى والبلدات مظاهرات مستمرة وفعاليات متنوعة تنشد رحيل ميليشيات الأسد عن سدة الحكم في البلاد، ولم تتوقف السويداء عند المظاهرات فأغلق أبناؤها عشرات المراكز التابعة لحزب البعث معلنين انتهاء الولاية البعثية على المحافظة، وإلى تاريخ كتابة التقرير ما تزال السويداء مدينة وريفا تخرج بمظاهرات تؤكد فيها على إسقاط عصابة الأسد وميليشيات إيران وروسيا، أما عسكرياً فلحركة رجال الكرامة وغيرها من الفصائل الدرزية كلمة لا يستهان بها في المحافظة مع انتشار حذر لبعض المقرات والحواجز التابعة لميليشيات الأسد.
شرقاً في عمق البادية السورية الممتدة من ريف حمص وحماة الشرقي إلى منطقة خناصر جنوب حلب مرورا بريف الرقة الجنوبي انتهاء بريف دير الزور الغربي، أصبحت مصدر أرق وقلق مستمر حيث تتبنى خلايا “تنظيم الدولة” الهجمات على ميليشيات الأسد وتركز على الضربات النوعية على الأهداف السهلة كالأرتال العابرة في فضاء الصحراء والنقاط والمحارس وسط البادية، وتتمتع خلايا “تنظيم الدولة” بقدرة عالية على التخفي والتماهي مع طبيعة الصحراء القاسية حيث تمنحها قدرة على المناورة ضمن استراتيجيات العمق العسكري وحرب العصابات، وبحسب القراءات العسكرية ومراجعة الضربات الأخيرة خلال السنوات الماضية فإن التنظيم يعمل على تقسيم عناصره ضمن مجموعات صغيرة تحقق أكبر نكاية ممكنة وبمجال مناورة واسع.
غالبا ما تستغل خلايا التنظيم الحالات الجوية لشن الهجمات كالضباب والعواصف الغبارية أو عند رصد الأهداف سهلة المنال كما ذكر آنفا، وبالرغم من انحسار وتفتت التنظيم ككيان يسيطر على جغرافيا معينة، فقد عمد إلى اتخاذ البادية السورية كمركز لشن هجماته وإبقاء حالة شبه الفلتان الأمني وعدم إحكام ميليشيات الأسد قبضتها في مناطق وجوده.
ولحلفاء العصابة نصيب كبير من السيطرة المطلقة، فروسيا تمتلك قاعدة حميميم العسكرية وميناء طرطوس المطل على البحر الأبيض المتوسط الذي يمثل الحلم الروسي في المياه الدافئة، بالإضافة لعشرات المواقع في حمص وحماة ودمشق، أما إيران فتتموضع قوات الحرس الثوري الإيراني في مئات القواعد بدير الزور وحلب ودمشق التي تعتبر امتداداً للنفوذ الإيراني وصولاً إلى لبنان، حيث أن كل ما ذكر من مواقع للدولتين روسيا وإيران محرمة على عصابات الأسد إلا بإذن وتصريح رسمي وقد تكرس التشديد على منع أفراد العصابة من الدخول إلى القواعد الإيرانية بعد الغارات الإسرائيلية الأمريكية الأخيرة واتهام عناصر من عصابات الأسد بتزويد إسرائيل بالمواقع الإيرانية في سوريا.
لا يبدو وبعد عقد من الثورة السورية أن عصابات الأسد المنهكة تسيطر على 30٪ من سوريا حقيقة، فوراء اللون الأحمر التي تصبغ به المناطق غير المحسوبة على الثورة السورية نزاعات كبيرة وصراعات محتدمة وانتفاضات شعبية ما زالت مستمرة، وتنافس دولي وإقليمي على الثروات، مما يجعل من سيطرة ميليشيات الأسد وهما قد يتبدد مع أي تغير تشهده البلاد أو الإقليم.
إضافة تعليق